في الأزقة الضيقة التي تغفو بين الجدران العتيقة، تختبئ آلاف الحكايات التي لم تُروَ بعد. حجارتها التي لامست أقدام المارة لعقود، صارت تعرفهم واحدًا واحدًا؛ تعرف البائع الذي يفتح متجره عند الفجر، والعجوز الذي يجلس على كرسيه الخشبي يراقب الزمن وهو يمرّ ببطء. هناك، في صمت الأزقة، تسمع الهمسات القديمة، رائحة الخبز الطازج، وصدى ضحكاتٍ سكنت الذاكرة.
الأزقة القديمة ليست مجرد طرقات منسية، بل أرواح من الماضي تهمس للحاضر. جدرانها التي أكلها الزمن، ما زالت تحفظ بصمات من مرّوا، كلمات كتبت على عجل، أو رسمة صغيرة من يد طفلٍ كان يلهو على الحائط. كل زاوية فيها تحكي عن حياةٍ مضت، لكنها لا تزال حاضرة بنبضٍ خفيّ.
حين تصمت الأزقة، يتحدث الحجر، وتبوح النوافذ بأسرار البيوت، وتتحول خطوات المارة إلى موسيقى ناعمة لا يسمعها إلا من يعرف كيف يُصغي للقلب. الأزقة القديمة لا تموت، إنها فقط تنتظر من يقرأها بعينٍ من حنين.