حين يهبط الليل، لا يُطفئ الضوء فحسب، بل يُشعل حواسنا الخفية. في صمته، نسمع ما لا يُقال، ونرى ما لا يُرى في وضح النهار. الليل ليس ظلامًا كاملًا، بل لوحةٌ ترسمها النجوم بخيوطٍ من الفضة، وتلوّنها القمرات بخجلٍ أبيض.
هناك من يخاف الليل، وهناك من يجد فيه وطنًا مؤقتًا لأفكاره. إنه ساعة الصفاء، حين تتراجع ضوضاء العالم، ويبدأ الحوار الحقيقي بين الإنسان وذاته. كم من قرارٍ وُلِدَ في منتصف الليل، وكم من فكرةٍ مضيئة خرجت من رحم عتمته؟
الليل يُعلّمنا أن الجمال لا يحتاج إلى ضوءٍ دائم، وأن السكون أحيانًا أبلغ من الكلام. ففي همسه، تختبئ حكايات لا تنتهي، لمن يُتقن فنَّ الإصغاء.